================================
زيادة الشعر في الوجه والجسم، ظهور حب الشباب والبقع السوداء في الوجه، زيادة أو خسارة الوزن بشكل كبير، فقدان الرغبة الجنسية، عدم انتظام الدورة الشهرية، صعوبة الحمل والإنجاب التي قد تصل لحد العقم، هذه عينة من أعراض متلازمة المبيض متعدد التكيسات .. أن هذه المتلازمة قد تعود إلى عدة عوامل، من بينها: الوراثة، العامل البيئي أي النظام الصحي الذي يشمل نوعية الطعام، الوزن والرياضة، بالإضافة إلى العامل النفسي - الاجتماعي الذي يزيد من شدّة الأعراض.
كيف يؤثر هذا الخلل الهرموني على حياة المرأة، وهل فعلاً نتحدث هنا عن مرض نسائي من دون علاج طبي؟
☆ اسم يختصر معاناة صامتة:
تتميز متلازمة المبيض متعدد التكيّسات، وهي إحدى اضطرابات الغدد الصماء لدى النساء، بارتفاع نسبة الأندورجين، أي هرمون الذكورة، ما يتسبب بظهور كل تلك الأعراض التي سبق وأن ذكرناها في الجسد والنفس، وقد يتسبب في مرض السكري والسمنة، بالإضافة إلى سرطان الرحم أو أمراض القلب، وخلل في الحالة المزاجية نتيجة غياب التوازن الهرموني وزيادة معدل الأنسولين في الدم.
في حين تغيب التوعية الشاملة حول تلك المتلازمة، خصوصاً في المنطقة العربية، ويُترك للطبيب/ة أو للمختص/ة في الأمراض النسائية تحديد العلاج المناسب، إمّا من خلال التوصية بتناول حبوب منع الحمل للعمل على استعادة الطمث المنتظم، أو تناول الأدوية المخصصة لمرض السكري، وذلك بغية تعديل مستوى الأنسولين، أو قد يكون الحلّ عبر إجراء عملية جراحية في حال تضخّم حجم التكيسات أو التخوف من أن تكون التكيّسات ذات طبيعة سرطانية.
ووسط هذه المعاناة الجسدية والنفسية، تُترك المرأة لتكهّناتها ومخاوفها، والصراع النفسي بين ما تشعر به من أنوثة وبين علامات الذكورة الظاهرة في جسدها ونظرة المقربين والمجتمع حيال ذلك، خصوصاً في المجتمعات العربية، حيث تكثر الانتقادات حول المظهر الخارجي.
بمعنى آخر، تعيش المرأة المعنية معاناة كبيرة وتكون عرضة للانتقادات والملاحظات القاسية، بسبب أعراض هذه المتلازمة التي تؤثر على مظهرها الخارجي، بخاصة لناحية زيادة الشعر في الوجه والجسد وزيادة الوزن، وعندها تذهب بحثاً عن حلول جذرية، كاللجوء إلى حميات غذائية قد لا تراعي وضعها الصحي، فتركز على إنزال الوزن دون التفكير بتغيير كلّي لنمط الحياة لتجنّب ازدياده من جديد، ما يجعلها تقع في مستنقع الفشل الجلد الذاتي وصولاً إلى الكآبة.
☆ تغيير جذري في النظام الغذائي:
غالباً ما تركز الأبحاث على الطابع البيولوجي لتلك المتلازمة، والعديد من الدراسات تتحدّث عن أهمية تغيير النمط الغذائي بشكل شامل لتفادي الأمراض الخطيرة، كالسكري والقلب والسرطان، وبالطبع الحماية من السمنة.
وتركّز الحميات الغذائية المخصصة لمرضى الPCOS على ضرورة الابتعاد عن السكر والمأكولات المصنّعة والغنية بالنشويات ومشتقات الحليب خصوصاً حليب البقر، بالإضافة إلى الابتعاد عن المشروبات الغازية واللحومات غير العضوية التي تحتوي على مواد مصنّعة.
في هذا الصدد، يعتبر الأخصائيون في علم الغذاء أنه ليس هناك من طريقة فعالة لتحسين أعراض هذه المتلازمة، سوى في تغيير شامل في النظام الغذائي وممارسة الرياضة بانتظام، لتعديل الخلل الهرموني ومساعدة الجسم على تعديل مستوى الأنسولين تفادياً للسمنة والأمراض الأخرى الخطيرة.
لكن هل يمكننا اختصار كل تلك الأعراض بالخلل الهرموني، أم أن هناك بعداً آخر لا يقل أهمية عن الشق الجسدي؟
☆الصدمات النفسية المكبوتة:
وفي هذا الصدد، شدد الفيلسوف الفرنسي موريس مرلوبونتي، على الترابط الوثيق بين العقل والجسد، وشبّه الجسد بالماكينة الحيوية التي تعبّر عما يحتويه العقل، الأمر الذي يُخرج متلازمة المبيض متعدد التكيّسات، وغيرها من الأمراض ذات الطابع الهرموني الجسدي، من "الخندق" الفيزيولوجي الضيّق، ووضعها في إطار يشمل المشاعر والتجارب النفسية وكيفية التعبير عنها عبر الجسد.
إلى جانب مرلوبونتي، تحدّث الطبيب النفسي توماس فوشس، في كتابه "ذاكرة الجسد واللاوعي" عن الجسد الذي يتمتّع بذاكرة تخزّن كل ما يحتويه اللاوعي من تجارب وصدمات نفسية، ليُترجمها فيما بعد إلى أمراض نفسية-جسدية مرتبطة بالألم النفسي الذي كبته الشخص ولم يعبّر عنه أو يتعامل معه. هذه الذاكرة تتشكل وتتجسد بقوّة كلما تكررت تلك الصدمات أو عاش الشخص أحداثاً تُعيد الألم إليه.
إذن، الجسد والنفس مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وهي خلاصة مهمة ومساعدة لفهم جذور متلازمة المبيض متعدد التكيّسات وأي حالة جسدية أخرى، ليس فقط للبحث عن العلاج الصحيح الشامل، بل للتأكد من عدم تفشي الألم النفسي في نواحي أخرى في الجسد أو على شكل أمراض أكثر خطورة.
☆الجسد واجهة النفس و"الهستيريا النسائية"
اعتُبرت اضطرابات الدورة الشهرية في القرن التاسع عشر كنوع من أنواع الهستيريا النسائية والتي كانت تُعالج بصدمات كهربائية توجّه على جهاز المرأة التناسلي على الجزء الأسفل من البطن، انطلاقاً من فرضية أن الأعراض مصدرها الأمراض النفسية، أي ما يشبه حالات الهذيان أو الفصام.
تطوّرت الأبحاث الطبية ووسائل العلاج وتطوّر معها البعد النفسي لما كان يسمّى Amenorrhea أي غياب الدورة الشهرية، وأصبح يشمل أعراضاً أخرى، وهي أعراض المبيض متعدد التكيّسات، لحين ظهر البعد النفسي التحليلي في العام 1922 في مستشفى مودسلي في لندن، حيث اعتبر الأطباء أن الخلل النسائي الجسدي مرتبط بصدمة تعرضّت لها الفتاة قبل أو خلال مراحل المراهقة والبلوغ، ما أدى بالأخيرة إلى كبت شهواتها الجنسية خوفاً من استباحة جسدها أو التحكم بها بطرق مختلفة.
وأدت تلك السيطرة في اللاوعي إلى خلل هرموني وازدياد هرمون الذكورة لديها، وكأنها تلغي خاصة الأنوثة لديها خوفاً من سطوة الآخر، وتم عزل عدد من النساء عن محيطهنّ لفترة في المستشفى، والمفارقة أن هذا الأمر أثّر بشكل إيجابي على صحتهنّ النفسية وعلى الوظائف الجسدية، لدرجة أن الدورة الشهرية عادت في ميعادها بشكل مستقر.
يذكر أن هذه الأبحاث وسواها كانت دافعاً في المزيد من النظريات والخلاصات العلمية حول أهمية التوعية الجنسية للنساء، ودورهنّ في التعامل مع جسدهنّ، وفصل الدورة الشهرية عن إلزامية الزواج أو الحمل.
تعليقات