قصة: الساعة التي لا تتوقف – حكاية عن الوقت الذي يُنقذ صاحبه
المقدمة
في عالم يمضي بسرعة مذهلة، ويزداد فيه ازدحام اللحظات، تبقى بعض القصص تذكّرنا بأن الوقت ليس مجرد أرقام تدور على عقارب ساعة، بل تجارب ومواقف تشكّلنا. هذه إحدى تلك القصص التي تبدأ بهدوء… لكنها لا تنتهي عند حدود المفاجأة.
الفصل الأول: متجر عند حافة البلدة
كانت البلدة الصغيرة تنام عند قاعدة جبلين شامخين، وكانت شوارعها الضيقة تفوح برائحة الخبز الساخن في الصباح، وبحكايات الناس في المساء. وفي طرفها، كان يقف متجر صغير يكاد يختفي تحت ظل الأشجار العالية. على واجهته الخشبية القديمة كُتبت لافتة باهتة:
“متجر الساعات – عمّ نبيل”
كان المتجر أشبه بمتحف صغير. مئات الساعات تملأ الجدران والأرفف، كل واحدة منها مختلفة في الشكل والصوت والحجم. بعضها حديث، بعضها منسيّ، ولكن ما كان يميّز المكان هو تلك الموسيقى العجيبة المنبعثة من تناغم دقّات الساعات.
كان عمّ نبيل رجلًا في السبعينيات، ملامحه تحمل تعب السنين، لكن عينيه فيهما ذكاء لا يشيب.
الفصل الثاني: دخول ليان… وبداية اللغز
في ظهيرة خريفية، دخلت فتاة في السابعة عشرة، تُدعى ليان. كانت تبحث عن هدية لوالدها في عيد ميلاده. شدّها في البداية جمال الساعات المعلّقة، ثم لفت نظرها شيء أغرب من الخيال:
ساعة خشبية مستطيلة، داكنة اللون، بلا عقارب… لكنها كانت تدق!
اقتربت منها، وكادت تلمس سطحها، لكن شعورًا غريبًا جعلها تتراجع قليلاً. التفتت إلى عمّ نبيل وسألته باستغراب:
— كيف يمكن لساعة بلا عقارب أن تعمل؟
ابتسم الرجل، وكأنه سمع السؤال ألف مرة، وقال بهدوء عجيب:
— يا ابنتي، ليست كل الساعات خُلِقت لتخبر الوقت… بعضها خُلِقت لتذكّرنا به.
لم تفهم ليان الجملة، لكن وقعها كان مختلفًا، وكأنها تحمل وعدًا خفيًا.
الفصل الثالث: اللحظة التي توقفت فيها كل الساعات
بينما كانت ليان تتأمل الساعة الغريبة، حدث شيء لم يحدث في المتجر منذ سنوات طويلة…
توقّفت كل الساعات.
كلّها.
الصوت الذي كان يملأ المتجر ويحييه اختفى فجأة، ليغرق المكان في صمت ثقيل. لم يبقَ إلا صوت واحد:
دقّة… دقّة… دقّة…
الصوت الوحيد كان صادرًا من تلك الساعة بلا عقارب.
ارتبكت ليان، بينما نظر عمّ نبيل إلى الساعة بحزن ممزوج بإعجاب، وقال بصوت منخفض:
— يبدو أنها اختارتك.
مدّ يده نحو الساعة ورفعها برفق، ثم سلّمها للفتاة دون مقابل. تراجعت ليان باستغراب:
— لكنني لم أدفع ثمنها.
ردّ الرجل بابتسامة غامضة:
— من يختاره الوقت… لا يدفع ثمنه.
الفصل الرابع: معنى الدقّات
عادت ليان إلى بيتها تحمل الساعة بحذر. لم يكن والدها موجودًا في ذلك اليوم، لذلك وضعتها على مكتبها في غرفتها. كانت لا تزال تدق بإيقاع ثابت، يملأ المكان بطريقة لا تُزعج بل تُريح.
لكن الأيام التالية لم تكن سهلة على ليان. كانت تواجه قرارًا مصيريًا يتعلق بمستقبلها الدراسي. الجميع كان يضغط عليها بآرائه:
والدها يريد تخصصًا، والدتها تريد آخر، ومدرّسوها يشيرون إلى طرق مختلفة. كانت تشعر بأنها عالقة وسط ضوضاء العالم.
وفي إحدى الليالي، جلست وحدها، تحاول أن تختار، لكن عقلها كان ممتلئًا بالتشتت والخوف. وضعت رأسها بين يديها، وفجأة سمعت الدقات من جديد…
دقّة… دقّة… دقّة…
لكن في تلك اللحظة، كانت الدقات مختلفة. لم تكن صوت ساعة… بل كانت أشبه بنبض قلبها هي. وكأن الساعة تحاول أن تقول شيئًا.
أغمضت ليان عينيها، وتركت نفسها تستمع. ومع كل دقّة، شعرت أن خوفها يهدأ، وأن الضباب يتلاشى قليلًا. ومع آخر دقّة، فهمت المعنى:
“اختاري ما يعيد إليك نفسك… لا ما يريده الآخرون.”
الفصل الخامس: القرار… ثم الصمت
وقفت ليان، تنفّست بعمق، وكتبت خيارها بوضوح وثقة. كانت أول مرة تتخذ فيها قرارًا يخصّ حياتها بصدق. وما إن انتهت…
توقّفت الساعة.
دقّاتها التي لم تتوقف منذ أن حملتها بين يديها… صمتت تمامًا.
اقتربت ليان منها، لم تشعر بالخوف، بل بابتسامة صغيرة.
كانت تعلم أن الساعة أنهت مهمتها.
الفصل السادس: الرسالة التي تبقى
مرت الشهور، وحقّقت ليان نجاحًا كبيرًا في قرارها الذي أخذته. لم تعد الساعة تعمل، لكنها بقيت على مكتبها دائمًا. لم تكن ساعة للوقت… بل كانت ذكرى تقول لها:
“الوقت الحقيقي هو اللحظة التي تختار فيها نفسك.”
الخاتمة
كانت تلك الساعة – رغم صمتها – أغلى شيء تملكه. لأنها لم تخبرها كم مرّ من الوقت… بل من تكون عندما تعطي لنفسك الحق في أن تقرر.

تعليقات