![]() |
| قصة اجتماعية ملهمة بعنوان (مقعد في الحديقة)، عن لقاء عابر قلب الموازين وأعاد الدفء لقلوب فقدت الأمل." |
عنوان القصة: "مقعد في الحديقة"
في قلب المدينة، وسط ضجيج السيارات وصخب المارة، تقع حديقة صغيرة تكاد تكون منسية. أشجارها عالية تحجب أشعة الشمس في النهار، وفي ركن هادئ منها يقبع مقعد خشبي قديم، طلاؤه متقشر وأطرافه مهترئة، لكنه كان مأوى لكثير من الأرواح التائهة.
في صباح ربيعي لطيف، جلست ليلى، امرأة خمسينية بملامح هادئة، ترتدي عباءة داكنة وتضع على كتفيها شالًا صوفيًا. كانت يداها ترتعشان قليلًا وهي تمسك كوب القهوة الساخن. اعتادت القدوم يوميًا إلى هذا المكان منذ أشهر، تراقب الأطفال وهم يلعبون، والأزواج يتنزهون، وكأنها تبحث عن شيء ضاع منها منذ زمن بعيد.
ليلى أرملة منذ عشرين عامًا، فقدت زوجها في حادث سير تركها مسؤولة عن ثلاثة أطفال صغار. لم يكن لديها وقت للحزن؛ اضطرت للعمل خياطة في بيتها لتؤمّن لهم الطعام والتعليم. سنوات مرت، كبرت فيها التضحيات أكثر من أحلامها، وكبر أطفالها وابتعدوا عنها واحدًا تلو الآخر، حتى صارت تعيش في بيت واسع لكنه بارد وصامت.
بينما هي تسرح في أفكارها، جلست إلى جانبها فتاة في أوائل العشرينيات، ذات شعر طويل أسود ووجه شاحب، كانت تبكي بصمت. حاولت ليلى تجاهلها في البداية، لكنها لم تستطع. التفتت إليها بابتسامة حنونة وقالت:
– "هل أنتِ بخير يا ابنتي؟"
ارتبكت الفتاة ومسحت دموعها بسرعة:
– "أنا آسفة… لا أريد إزعاجك."
– "لستِ تزعجينني، أحيانًا التحدث يخفف الألم."
ترددت الفتاة قليلًا ثم تنهدت وقالت:
– "اسمي سارة. لا أعرف لماذا أنا هنا… أشعر أنني وحيدة. أمي دائمًا مشغولة، أبي لا يهتم بي، وخطيبي تركني أمس. كل شيء ينهار من حولي."
ربّتت ليلى على يدها بلطف:
– "تعرفين يا سارة… الحياة قاسية أحيانًا، لكنها لا تتوقف لأجل حزننا. ربما كل ما تحتاجينه الآن هو من يسمعك."
كانت كلمات ليلى صادقة لدرجة جعلت سارة تنفجر في البكاء. شعرت لأول مرة أن أحدًا يهتم بها. جلستا معًا ساعة كاملة تتحدثان. أخبرت سارة ليلى عن خوفها من المستقبل، وعن شعورها بعدم الأمان. بينما حكت ليلى عن حياتها بعد فقدان زوجها، وكيف اضطرت أن تكون قوية رغم كل شيء.
مرت الأيام، وصارت سارة تزور الحديقة كل يوم لتجلس بجوار ليلى. تحكي لها عن يومها، عن الجامعة، عن أحلامها، بينما كانت ليلى تستعيد إحساس الأمومة الذي افتقدته. وجدت سارة في ليلى حضنًا دافئًا افتقدته في بيتها، ووجدت ليلى في سارة الابنة التي لم تنجبها.
مع مرور الوقت، أصبح المقعد القديم ملتقى يومي لهما، حتى أن بعض المارة بدأوا يلاحظونهما ويبتسمون. صار هذا المقعد ملاذًا من الضجيج، مكانًا يعيدان فيه ترتيب قلوبهما المرهقة.
وفي أحد الأيام الممطرة، جاءت سارة إلى الحديقة تحمل مظلة كبيرة وعلبة حلوى. جلست بجانب ليلى وهي تقول:
– "أحضرت لكِ حلوى البسبوسة التي تحبينها."
ضحكت ليلى بحرارة، وكانت المرة الأولى منذ زمن طويل التي تشعر فيها بالسعادة الحقيقية.
لكن في أعماقها، كان قلبها مثقلًا بشيء آخر؛ علاقتها بأبنائها الثلاثة. كل واحد منهم انشغل بحياته الخاصة، حتى أصبحت مكالماتهم لها مجرد رسائل قصيرة. لم تكن تلومهم، لكنها كانت تفتقدهم بشدة.
ذات مساء، بينما كانت ليلى وسارة تجلسان على المقعد، ظهر شاب طويل القامة يحمل باقة ورد. اقترب منها ببطء وقال بصوت متهدج:
– "أمي… سامحيني."
تجمدت ليلى للحظة، دموعها انهمرت فورًا. كان ابنها الأكبر أحمد، الذي لم يزرها منذ شهور طويلة. جلس بجانبها، احتضنها بشدة، وهمس في أذنها:
– "اشتقت إليكِ… أدركت أنني قصّرت بحقك كثيرًا."
في ذلك اليوم تغيّر كل شيء. عادت العلاقة بين ليلى وأبنائها، فقد أدركوا أنهم ابتعدوا عنها كثيرًا. أما سارة، فأصبحت فردًا جديدًا من العائلة، تزور ليلى في منزلها وتعتبرها أمًّا ثانية.
ظل المقعد الخشبي شاهدًا على ولادة علاقة غريبة لكنها جميلة؛ صداقة بين امرأة خمسينية وفتاة في العشرينيات، أعادت لكل منهما الإحساس بالحب والانتماء.
---
رسالة القصة:
أحيانًا، يكفي أن نجلس وننصت لشخص غريب لنعيد إليه الأمل. الرحمة كلمة صغيرة لكنها قادرة على تغيير حياة كاملة. كل
واحد منا يمكن أن يكون سببًا في شفاء قلبٍ مكسور.
.png)
تعليقات